في الأونة الأخيرة برز جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بشدة بعد المشاجرة الشهيرة التي نقلتها وسائل الأعلام العالمية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارة جمعتهما للبنك المركزي الأمريكي وخلال الحديث عن خطة للتطوير أختلف الثنائي حول القيمة وبدا التفاهم بينهما منعدم وهو ما جعل باول حديث العالم بسبب المواقف العديدة والخلافات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بجانب اللقب الذي يعرف به باول وهو “العنيد” بسبب تمسكه بسياسات نقدية صارمة في مواجهة التضخم، وكذلك تمسكه بمواقفه ضد رغبة الرئيس الأمريكي الذي أظهر رغبته في عزله من منصبه لكن القوانين الأمريكية تمنعه من ذلك
رئاسة الفيدرالي.. فترتان وسط الأزمات
تولى جيروم باول منصبه رئيسًا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في 5 فبراير 2018، لفترة أولى استمرت أربع سنوات. وفي 23 مايو 2022، أُعيد تعيينه لفترة ثانية، ليواصل مهامه كرئيس لأقوى مؤسسة مالية في العالم كما ترأس باول أيضًا اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وهي الجهة المسؤولة عن وضع السياسة النقدية للولايات المتحدة.
ولا يعتبر باول غريبًا عن الفيدرالي حين تولى الرئاسة إذ شغل عضوية مجلس المحافظين منذ مايو 2012، وأعيد تعيينه في 2014 لفترة تمتد حتى يناير 2028، ما يجعله أحد أقدم الأعضاء في المجلس الحالي.
“العنيد” في مواجهة التضخم
واشتهر باول بموقفه المتشدد تجاه التضخم، خاصة بعد تداعيات جائحة كوفيد-19، واضطراب سلاسل الإمداد، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وأصرّ على رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ أوائل الألفية، رغم تحذيرات المستثمرين والساسة من تأثير ذلك على النمو والوظائف.
وفي أكثر من مناسبة شدد باول على أن الفيدرالي “لن يتراجع حتى يرى دليلًا واضحًا على تراجع التضخم”، وأنه مستعد لتحمل “بعض الألم الاقتصادي” في سبيل تحقيق الاستقرار السعري.
خصومة علنية مع ترامب

لم يكن مسار باول خاليًا من التحديات السياسية، خاصة في سنواته الأولى، حيث دخل في صدام علني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطالب ترامب مرارًا بخفض أسعار الفائدة لدعم النمو وتقليل كلفة الاقتراض الحكومي، بينما قاوم باول هذه الدعوات، محذرًا من أن خفض الفائدة دون مبرر قد يؤدي إلى تفاقم التضخم.
لكن رغم هذه الضغوط، صمد باول في موقعه، مدعومًا بقوة استقلالية الفيدرالي، وعدم وجود سوابق قانونية أو دستورية تتيح للرئيس الأمريكي عزل رئيس الفيدرالي دون سبب واضح ومثبت قانونًا.
مسيرة متعددة الجوانب
وولد باول في فبراير 1953 بالعاصمة واشنطن. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة برينستون عام 1975، ثم نال درجة الدكتوراه في القانون من جامعة جورجتاون عام 1979، حيث شغل منصب رئيس تحرير مجلة القانون المرموقة بالجامعة.
وبدأ حياته المهنية كمحامٍ ومصرفي استثماري في نيويورك، قبل أن ينتقل إلى العمل الحكومي. وخلال إدارة الرئيس جورج بوش الأب، تولى باول منصب مساعد وزير الخزانة ثم نائب الوزير، وتولى ملفات حساسة تتعلق بالمؤسسات المالية وسوق سندات الخزانة.
كما عمل شريكًا في مجموعة كارلايل العالمية، وشغل عضوية مجالس عدد من المؤسسات التعليمية والخيرية، منها مركز بندهايم للتمويل في جامعة برينستون، ومنظمة “ذا نيتشر كونسيرفنسي” البيئية.
استقلالية صارمة رغم الضغوط
أحد أبرز ما يميز باول هو تمسكه الشديد باستقلالية الفيدرالي. ففي وقت تتصاعد فيه الضغوط السياسية، يحرص على التأكيد أن قرارات السياسة النقدية لا تتأثر بالاعتبارات الحزبية أو السياسية، بل تستند فقط إلى البيانات الاقتصادية.
وقد واجه باول في مسيرته انتقادات من مختلف الاتجاهات: منهم من اتهمه بالتقاعس عن كبح التضخم مبكرًا، ومنهم من رأى أنه بالغ في التشديد النقدي. لكنه لم يحِد عن مساره، وظل متمسكًا برؤيته القائمة على إعادة الاستقرار للأسواق والأسعار، ولو تطلب الأمر وقتًا طويلًا.
إرث ثقيل ومسؤولية عالمية
لا تتوقف تأثيرات قرارات باول عند حدود الولايات المتحدة، فسياسات الفيدرالي تُحدث صدى عالميًا، من أسواق المال في آسيا إلى اقتصادات الأسواق الناشئة، التي تتأثر بشكل مباشر بتحركات أسعار الفائدة الأمريكية، ولذلك يُدرك باول أنه يحمل على عاتقه مسؤولية ليست فقط تجاه الاقتصاد الأمريكي، بل نحو النظام المالي العالمي بأسره.
التعليقات