التخطي إلى المحتوى

كيف تحوّلت غزة ذلك الشريط الساحلي الضيّق لتكون مفتاح الحل ومفتاح الحروب والأزمات في المنطقة؟! سؤال، لا يجيب عنه إلا سؤال أسبق منه، كيف حوّل بعض المستفيدين، القضية الفلسطينية من قضية شعب، إلى أداة سياسية للتكسّب السياسي والمالي وبيع المواقف؟! فخلال أكثر من ثمانين عاماً، كانت قضية الفلسطينيين هي الأكثر تفضيلاً لدى المزايدين والمتكسّبين، وعند تصفية الحسابات، لقد كانت بندقية في أيدي بعض اللصوص أهدروا بها الدماء، وقوّضوا بها مستقبل العالم العربي دون أن يفيدوا الشعب الفلسطيني بشيء.

فإذا أردت استهداف دول الخليج -على سبيل المثال- ما عليك إلا أن تخرج في خطاب شعبوي تزعم فيه دعمك لفلسطين، ثم تتهم الخليجيين بالتخاذل على طريق تحرير فلسطين، يا لها من معادلة بسيطة وكثيرة التكسب، الخسارة فيها بضع بطاريات لإذاعتك، وحبر وأوراق يكتبها هيكل، أو عفلق، أو غسان كنفاني.

ما حصل أنه وخلال العقود الثمانية الماضية، تقلّصت فلسطين التي دافعوا عنها عبر الإذاعات حتى انتهت في غزة؛ بسبب سوق السياسة الذي باع واشترى فيه بعض العرب، سياسيين ومثقفين وحتى الشعوب التي صفت أحلامها وحسدها وبغضها وأمنياتها ومزايداتها في سوق فلسطين، بل حتى الغربيون استفادوا من تلك القضية وباعوا واشتروا فيها، حتى انتهت فلسطين إلى مربع أمنى في رفح.

مربع هو في حقيقته، مصنع للدماء في نهايته خط إنتاج للمال، وخط إنتاج للمزايدات، وآخر للمكاسب السياسية.

لكن ماذا إذا صحونا غداً على انتهاء معارك وغزوات، «قطاع غزة،» على أي مشهد سنصحو؟! على مشروع سلام؟ أم مشروع حرب أخرى؟ أم مشروع اقتصادي يهضم السياسة ويجمّدها لوقت لاحق؟

هل سيتخلى حينها المتكسبون والمزايدون ومصاصو الدماء عن «كنز غزة»؟؟

لا أظن ذاك فمن يستعيد ذاكرة بيروت التي قوّضت وانتهكت من الخمسينات حتى اليوم، يستطيع أن يرى غزة بوضوح.

ففي الستينات والسبعينات كانت بعض الأنظمة الثورية في العالم العربي في حاجة لعاصمة عربية تصفّي كل منها خلافاتها فيها، لتكون بيروت خياراً جيداً لهم، ففجروا قنابلهم في شوارعها، وتحاربوا في أحيائها مباشرة أو بالنيابة عبر المقاولين، بل حتى أجهزة المخابرات الغربية استفادت من تلك المدينة الواقعة في وسط خطوط التماس الدولية، واستخدمت بيروت مقراً لأعمالها وتبادل المعلومات واللقاءات وتجنيد العملاء، كانت مدينة بلا رقابة، وكأن الماغوط بلهجته السورية الجميلة يصفها: (مدينة كل من ايده إله).

اليوم تبدو غزة بديلاً مريحاً لورثة تلك القوى والتنظيمات والعصابات، لكن تحتاج غزة إلى خلطة مثيرة، من قوى متصارعة وخط أخضر يفصل بين المتقاتلين، ومقاهٍ جيدة يلتقي فيها الجواسيس، وترتب فيها العلاقات المعقدة، بمعنى آخر مدينة تعمّر من جديد وتفتح للجميع ليستفيد منها البعض من ورثة «نصرالله، جورج حبش، هنية، وعفلق، وهيكل، وكنفاني».

أخبار ذات صلة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *