التخطي إلى المحتوى

كل المعطيات خلال الأيام الماضية كانت تنبئ بحدث كبير في المنطقة، المفاوضات بين أمريكا وإيران متعثرة، تكرار تصريحات الرئيس ترمب أنه غير مسموح أبداً بامتلاك إيران سلاحاً نووياً وبأي طريقة تحقق ذلك، قرار وكالة الطاقة الذرية بأن إيران تنتهك التزاماتها النووية وتخصّب اليورانيوم بنسبة قريبة من صنع قنبلة نووية، إعلان أمريكا إخلاء موظفي سفاراتها في بعض دول المنطقة، ورغم هذا التأزيم لم يتغير موقف إيران بإصرارها على حقها في تطوير برنامجها النووي، فسنحت الفرصة التي تتمناها إسرائيل لتنفيذ هجوم كبير غير مسبوق على إيران، سبق التخطيط له، ووصفته بالاستباقي، فهل لو كانت إيران أبدت مرونة أكثر في مفاوضاتها مع أمريكا بشأن الملف النووي، وقدمت بعض التنازلات المشروطة لكسب الوقت وتهدئة التوتر المتصاعد، هل كانت ستحول دون الهجوم عليها؟

لا يمكن الجزم بذلك، لأن المفاوضات لم يُغلق بابها بعد، والعالم كان بانتظار ما سوف تسفر عنه الجولة التي كانت مقررة اليوم، لكن إسرائيل لم يكن بوسعها تفويت فرصة كهذه، فأي تقدم إيجابي في المفاوضات سوف يجعل أمريكا تتراجع أو تعيد النظر في موافقتها على مهاجمة إيران، ستكون في حرج حقيقي أمام المجتمع الدولي، ولذلك شنت إسرائيل هجومها الكبير في وقت ملتبس، وعندما وصفته بالاستباقي فإن ذلك لا يعني وجود معلومات مؤكدة بأن إيران ستشن هجوماً وشيكاً عليها، وإنما استباقاً لاحتمال تغير موقف إيران إيجابياً في المفاوضات القادمة.

لقد كرست إسرائيل سرديتها بأن إيران هي الخطر الوجودي عليها، وأن مشروعها النووي يستهدف في الأساس تدميرها وإزالتها من الخارطة، وهذا غير ممكن عملياً حتى لو كانت إيران تردد شعارات صاخبة ضد إسرائيل منذ زمن طويل. إيران ليست متاخمة لإسرائيل حتى تشكل خطراً جغرافياً عليها، وقد قامت منذ العام الماضي بتعطيل وتحييد التنظيمات التابعة لها وفي مقدمتها حزب الله، كما أن إيران لا تملك التفوق العسكري النوعي على إسرائيل في ميزان القوة العسكرية الذي يجعلها خطراً وجودياً عليها، إسرائيل هي التي تملك التفوق بالعتاد الأمريكي المتطور الذي تخصها به أمريكا دون سواها، ولذلك فإن تبرير إسرائيل لهجومها بأنه استباقي لمنع الخطر عليها لا يمكن استساغته. الخطر الحقيقي يتمثل في تسويغ استخدام القوة العسكرية والاعتداء على أي دولة مهما كانت طبيعة الاختلاف معها، لمجرد توقع احتمالات غير مؤكدة بشكل قطعي، وتجاهل وانتهاك القوانين والأعراف الدولية، وهذا ما فعلته إسرائيل.

لقد اشتعل حريق كبير في المنطقة، نتائجه خلال يومين فقط في منتهى الخطورة، واستمراره دون احتواء عاجل سيؤدي إلى مآلات مرعبة، ولكن كيف يمكن احتواؤه مع الانحياز المعلن لبعض الدول المؤثرة في المجتمع الدولي لإسرائيل، وفي مقدمتها الدولة الأقوى والأهم: أمريكا؟ هذا هو السؤال المقلق.

أخبار ذات صلة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *