أخبار السعودية

أخبار لايت: قصة نجاح .. جوجل وصعود إمبراطورية رقمية من مشروع جامعي

– في عالم التقنية المتسارع، تتناقل الألسنة حكاياتٍ نسجها الطموحُ من خيوط العدم، وقصصًا وُلدت أفكارُها بين جدران الجامعات لتغدو فيما بعد كياناتٍ جبارة تعيد رسم ملامح دنيانا.

 

– ومن بين تلك الحكايات التي خطها الدهر بأحرفٍ من نور، تبرز قصة “جوجل” كأيقونةٍ لنجاحٍ منقطع النظير في ساحة ريادة الأعمال المعاصرة.

 

– وما بدأ كمجرد سعيٍ بحثيٍ أكاديمي، انتهى به المطاف إلى ثورةٍ شاملةٍ في مفهوم الإنترنت، غيّرت طريقة استقاء المعلومات ومعالجتها تغييرًا جذريًا.

 

من “باكرب” إلى “جوجل”: شرارة البحث في دهاليز ستانفورد

 

 

– كانت الشرارة الأولى لِما سيُعرف لاحقاً بإمبراطورية “جوجل” في عام 1996، داخل أروقة جامعة ستانفورد العريقة، حيث انكبّ طالبان للدكتوراه، لاري بيدج وسيرجي برين، على مشروعٍ بحثيٍ طموح.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

– كان باكورة عملهما محرك بحثٍ بدائياً أطلقا عليه اسم”BackRub” ؛ وقد تميّز هذا المحرك باعتماده على خوارزمية مبتكرة تتجاوز الطرق التقليدية؛ فبدلاً من الاكتفاء بترتيب الصفحات بناءً على الكلمات المفتاحية، ارتكزت على تقييم أهمية الصفحات استنادًا إلى الروابط الواصلة إليها.

 

– وهي فكرةٌ عبقريةٌ كانت النواة لِما عُرف فيما بعد بـ PageRank، السر الذي منح “جوجل” تفوّقاً كاسحاً على منافسيها آنذاك.

 

– وفي عام 1997، انبثق الاسم الجديد “Google” ليحل محل “BackRub“، وهو تحريفٌ لِـ “Googol“، المصطلح الرياضي الذي يمثل الرقم 1 متبوعاً بمئة صفر، في إشارةٍ رمزيةٍ طموحةٍ إلى سعيهما نحو فهرسة الكمّ الهائل من المعلومات المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية.

 

– أما الميلاد الرسمي لشركة “جوجل”، فقد كان في الرابع من سبتمبر 1998، لتُبصر النور بعد حصول المؤسسين على دعمٍ ماليٍ أوليٍ بلغ مئة ألف دولار، ولتنطلق رحلتها من مرآب منزلٍ بسيطٍ في ولاية كاليفورنيا.

 

التقنية في خدمة الحلم: كيف شُيّد صرح “جوجل”؟

 

– لم يكن الحلم ليتحقق لولا براعة ورؤية المؤسسين؛ فقد ارتكز بيدج وبرين في بناء صرحهما التقني على لغة البرمجة جافا، مستفيدين مما توفره من مرونةٍ وقدرةٍ على التوافق عبر مختلف المنصات.

 

– لم تكن هذه البنية القوية مجرد اختيارٍ تقني، بل كانت حجر الأساس لنظامٍ قابلٍ للتوسع بسهولة، ويتمتع بكفاءةٍ خارقةٍ في معالجة الملايين من طلبات البحث.

 

– وبفضل هذه الهندسة المبتكرة التي اعتمدت على ربط المواقع وتقييمها بناءً على “روابط الثقة”، تمكّنوا من تطوير محرك بحثٍ فائق السرعة والدقة.

 

– ولم يمرّ وقتٌ طويلٌ حتى لاقى هذا النهج المختلف استحسان المستخدمين حول العالم، ليفرض “جوجل” نفسه بقوةٍ ويتفوق على منافسين عمالقةٍ كانوا يهيمنون على الساحة مثل “ياهو!” و”ألتا فيستا”.

 

صعود سريع نحو القمة: من محرك بحث إلى إمبراطورية تقنية

 

 

– لم يتوقف طموح “جوجل” عند حدود البحث، بل انطلق كالسهم نحو القمة، متحوّلاً من مجرد محركٍ إلى إمبراطوريةٍ رقميةٍ مترامية الأطراف؛ وهكذا، توالت محطاته الفارقة تباعاً:

 

– في عام 2004، طرحت الشركة أسهمها للاكتتاب العام، في خطوةٍ جلبت لها دفعةً ماليةً هائلةً مهدت الطريق لتوسعٍ غير مسبوقٍ في أعمالها.

 

– ولم يمضِ سوى عامين حتى حطّت رحالها في عالم الفيديو الرقمي بالاستحواذ على منصة “يوتيوب” عام 2006، لتُرسّخ بذلك هيمنتها في هذا المجال.

 

– وفي عام 2007، أزاحت الستار عن نظام تشغيل “أندرويد”، الذي سرعان ما اعتلى عرش أنظمة الهواتف الذكية ليصبح الأكثر استخداماً عالمياً.

 

– تواصل المدّ التوسعي عام 2010 بإطلاق متصفح “جوجل كروم”، الذي لم يمضِ عقدٌ من الزمان حتى ساد المشهد بين كافة المتصفحات.

 

– وفي عام 2015، شهدت الشركة تحولاً هيكلياً جذرياً بإنشاء الكيان الأم “ألفابت”، لتصبح “جوجل” إحدى أهم ركائزه، وليُتاح بذلك تركيزٌ أكبر على آفاقٍ جديدةٍ للابتكار في ميادين واعدةٍ كالذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة.

 

ما وراء البحث: تأثير “جوجل” على لغات البرمجة

 

– ولم يقتصر إسهام “جوجل” على إحداث ثورةٍ في عالم الإنترنت فحسب، بل امتدّ ليمسّ جوهر هندسة البرمجيات، حيث أطلقت الشركة لغات برمجةٍ جديدة مصممة لتلبية متطلبات المستقبل المتغيّرة؛ من أبرزها:

 






تأثير “جوجل” على لغات البرمجة

لغة “جو” أو  Golang

 


– وُلدت لغة “جو”، وهي نِتاجٌ مفتوح المصدر، لتكون أداةً ناجعةً في مقاربة التطبيقات التي تتطلب أداءً رفيعاً وقدرةً على العمل المتوازي دون عناء.


 


– وتتجلى مزاياها في بساطتها وسهولة استيعاب شيفرتها، ما يسهم بفعّالية في تبديد غبار التعقيد عن دروب البرمجة.


 


– تجد “جو” ميدانها الأرحب في تشييد البنى التحتية للأنظمة، وتطبيقات الخوادم، وخدمات الحوسبة السحابية، وقد تبنتها قامات شامخة في عالم التقنية كـ “دوكر” و”دروبوكس” و”كلاود فلير”، لتكون عِماداً راسخاً في صروحها التقنية الشاهقة.


 

لغة “دارت” Dart

 


– أما “دارت”، فقد طُورت لتُسهم في تذليل الصعاب أمام تطوير تطبيقات الويب والموبايل، فغدت بمنزلة الركيزة الأساسية التي يرتكز عليها إطار العمل البديع “فلاتر” (Flutter).


 


– يفتح هذا الإطار المبتكر للمطورين آفاقاً رحبة لبناء تطبيقاتٍ تتألق على منصتي “iOS” و”أندرويد” من منبعٍ واحدٍ لشيفرة البرمجة، مما يوحد الجهد ويثمر إبداعاً.


 

 

– والشاهد هنا أنّ تطوير هاتين اللغتين لم يكن محض صدفة، بل هو انعكاسٌ مباشرٌ لروح “جوجل” التي تؤمن بالبساطة، والكفاءة، والقدرة على التوسع لمواكبة تحديات المستقبل الرقمي.

 

لحظات لافتة في مسيرة “جوجل”

 

– لم تتوقف عجلة الابتكار لدى “جوجل”، بل استمرت في الدوران لتشمل مجالاتٍ أوسع بمنتجاتٍ وخدماتٍ جديدة؛ فقد أطلقت “جوجل إيرث” و”جوجل ماب”، مُحوّلةً استكشاف العالم إلى تجربةٍ رقميةٍ غامرة.

 

– كما طورت أدواتٍ غيّرت مفهوم التواصل والعمل جذرياً، مثل “جوجل ترانزليت”، و”جوجل درايف”، و”جيميل”.

 

– ولم تتردد في اقتحام مجالاتٍ مستقبليةٍ واعدةٍ كالذكاء الاصطناعي، والسيارات ذاتية القيادة، والواقع المعزز.

 

– ورغم هذا المسار الواعد، لم تسلم “جوجل” من الانتقادات، خاصةً فيما يتعلق بقضايا خصوصية المستخدمين أو السيطرة شبه الاحتكارية على سوق الإعلانات الرقمية.

 

من فكرة بحثية إلى تغيير وجه العالم

 

 

– وختاماً، تُعدّ قصة “جوجل” مثالاً حيّاً ملهماً يُجسّد ببراعة كيف يمكن لشرارة فضولٍ علميٍ مقترنةٍ برؤيةٍ ثاقبةٍ أن تتحول إلى ثورةٍ تقنيةٍ شاملةٍ تعيد تشكيل العالم.

 

– بدأ كل شيءٍ في حجرةٍ دراسيةٍ متواضعةٍ داخل أسوار ستانفورد، ليبلغ ذروته في بناء إمبراطوريةٍ رقميةٍ تُنظم بحور المعلومات وتضعها في متناول يد مليارات البشر بنقرة زر.

 

المصدر: كود موشن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى