في موسم الحصاد: أحكام زكاة القمح في الفقه الإسلامي بالتفصيل

مع اقتراب موسم حصاد القمح، تتجدد الأسئلة حول أحكام زكاة المحاصيل الزراعية، لا سيما هذا المحصول الاستراتيجي الذي يعد من الركائز الأساسية للغذاء في أغلب البلدان الإسلامية. وفي هذا السياق، نستعرض في هذا المقال الأحكام الشرعية المتعلقة بزكاة القمح وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الفقهاء.
أولاً: حكم زكاة القمح
زكاة الزروع والثمار فريضة واجبة بنص القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ” [البقرة: 267]
كما قال سبحانه:
“وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ” [الأنعام: 141].
والقمح من الزروع التي تجب فيها الزكاة باتفاق الفقهاء، لأنه يدخر ويكال، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة في كل ما يُكال ويدخر من المحاصيل.
ثانيًا: نصاب زكاة القمح
لا تجب الزكاة في القمح إلا إذا بلغ نصابًا، والنصاب هو ما يعادل خمسة أوسق، كما في الحديث الصحيح:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة” [رواه البخاري ومسلم].
والوسق يعادل 60 صاعًا، وبالتالي يكون النصاب حوالي 653 كيلوغرامًا من القمح تقريبًا، بحسب تقديرات العلماء المعاصرين.
ثالثًا: مقدار الزكاة الواجبة
العشر (10%): إذا سُقي القمح بغير كلفة مثل مياه الأمطار أو مياه الأنهار.
نصف العشر (5%): إذا سُقي بواسطة آلات الري أو كلف مادية (كالسقي بالمياه الجوفية أو محركات الري).
وإن اجتمع الأمران، كأن يُسقى القمح تارة بماء المطر وتارة بالمضخات، فذهب بعض الفقهاء إلى وجوب ثلاثة أرباع العشر (7.5%).
رابعًا: وقت إخراج الزكاة
قال الله تعالى: “وآتوا حقه يوم حصاده”، أي أن الزكاة تجب عند تمام الحصاد وجفاف المحصول واستعداده للتخزين أو البيع. ويجب على المزارع إخراج الزكاة في وقتها دون تأخير، لأنها حق متعلق بمال الفقير.
خامسًا: لمن تُعطى زكاة القمح؟
تصرف زكاة الزروع عمومًا -ومنها القمح- إلى مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في قوله تعالى:
“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ…” [التوبة: 60].
ويُستحب تقديمها إلى الضعفاء والمحتاجين من أهل القرية أو المنطقة التي تم فيها الحصاد، لما في ذلك من تقوية الروابط الاجتماعية.
خلاصة
زكاة القمح واجبة شرعًا عند بلوغ النصاب، وهي من أهم صور التكافل الاقتصادي في الإسلام، ولا تسقط إلا بالعذر، وتأخيرها يُعد مخالفة شرعية. وتأتي هذه الزكاة لتكون بركة في المال، وطهرة للنفس، وسندًا للفقراء والمساكين.
فلنحرص جميعًا على إخراجها بحقها، كما أمر الله، “يوم حصاده”.