في قلب عالم الاقتصاد المتلاطم، حيث تتصارع الأسواق مع تقلبات العملات وتحديات السياسات النقدية، تتألق مصر كنجمة صاعدة تجذب أنظار المستثمرين من كل حدب وصوب.
ومع إعلان الحكومة المصرية عن خططها لطرح سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار خلال العام المالي 2025/2026، تتجدد التساؤلات: ما الذي يجعل السندات المصرية محط اهتمام عالمي؟، هل هو سحر العوائد المرتفعة، أم أن هناك قصة أعمق تروي حكاية نهضة اقتصادية تتخطى الحدود؟.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نأخذكم في رحلة عميقة إلى أسباب هذا الإقبال الاستثنائي، نكشف عن السر وراء جاذبية السندات المصرية التي أصبحت رمزًا للثقة والطموح.
ثقة متأصلة في الإصلاحات الاقتصادية
وتشهد مصر نهضة اقتصادية غير مسبوقة، مدعومة ببرنامج إصلاحات شامل بدأ عام 2016 بدعم من صندوق النقد الدولي، وهذا البرنامج، الذي شمل تحرير سعر الصرف، تحسين مناخ الاستثمار، وإعادة هيكلة الدعم على الطاقة، نجح في بناء اقتصاد أكثر استقرارًا ومرونة.
وفي تصريحات لوزير المالية، أحمد كجوك، أكد أن الإصدار الجديد للسندات يهدف إلى تغطية 40% من احتياجات التمويل الخارجي، مع التركيز على تنويع مصادر التمويل وتعزيز الاستدامة المالية.
وهذه الرؤية الاستراتيجية عززت ثقة المستثمرين في قدرة مصر على إدارة مواردها المالية بحنكة، مما جعل السندات الدولية المصرية وجهة مفضلة للاستثمار.
نجاحات سابقة
وتؤكد هذه الثقة، ففي عام 2021، طرحت مصر سندات دولية بقيمة 3.75 مليار دولار وسط ظروف اقتصادية عالمية معقدة، وحققت طلبات تجاوزت 16.5 مليار دولار، بنسبة تغطية وصلت إلى 4.4 مرة.
وهذا الإقبال اللافت يعكس إيمان المستثمرين بقدرة الاقتصاد المصري على تحقيق عوائد مجزية حتى في أوقات الأزمات.

عوائد تنافسية وتنويع ذكي
وتتميز السندات الدولية المصرية بتقديم عوائد مغرية مقارنة بغيرها من الأسواق الناشئة، ففي يناير 2025، طرحت مصر سندات بقيمة ملياري دولار بعائد 8.625% لأجل 5 سنوات و9.45% لأجل 8 سنوات، مما جذب طلبات فاقت 10.5 مليار دولار.
وهذه العوائد التنافسية، التي تفوق نظيراتها في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا، تجعل السندات المصرية خيارًا مثاليًا للمستثمرين الباحثين عن استثمارات آمنة ذات مردود مرتفع.
وإلى جانب ذلك، تتبنى مصر استراتيجية تنويع مبتكرة في إصداراتها، تشمل السندات التقليدية، والصكوك الإسلامية، وغيرها من السندات المتداولة في الأسواق العالمية.
وهذا التنويع يوسع قاعدة المستثمرين ويفتح أسواقًا جديدة، مثل اليابان والصين، فعلى سبيل المثال، في عام 2023، أصدرت مصر سندات ساموراي بقيمة 75 مليار ين ياباني (ما يعادل 500 مليون دولار) بعائد 1.5%، مما عزز ثقة المستثمرين الآسيويين في الاقتصاد المصري.
استقرار سياسي ودعم دولي قوي
ويعد الاستقرار السياسي أحد أهم ركائز جاذبية السندات المصرية، والقيادة السياسية في مصر، بدعم من حلفاء إقليميين مثل دول الخليج ومؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي، قدمت ضمانات قوية لاستمرار الإصلاحات الاقتصادية.
وصفقة رأس الحكمة مع الإمارات في 2024، التي جذبت استثمارات بقيمة 35 مليار دولار، عززت من استقرار العملة وساهمت في سد فجوة التمويل الخارجي.
كما أن التصنيف الائتماني المستقر لمصر، الذي أكدته مؤسسات مثل “موديز” و”فيتش”، يعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المالية.
وإضافة إلى ذلك، فإن سجل مصر النظيف من عدم التخلف عن سداد ديونها الخارجية يعزز هذه الثقة بشكل كبير.
والتهافت على السندات الدولية المصرية ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو نتاج رؤية اقتصادية متكاملة، واستقرار سياسي راسخ، وعوائد استثمارية لا تضاهى.
ومصر بإصدارها الجديد بقيمة 4 مليارات دولار، لا تقترض فحسب، بل تبني جسورًا نحو مستقبل اقتصادي واعد، ومع استمرار الإصلاحات والدعم الدولي، تتحول السندات المصرية إلى أكثر من مجرد أداة مالية، بل رمز لتطلعات أمة تسعى لقيادة الأسواق الناشئة.
التعليقات