وسط حروب الأسعار .. لماذا تنزعج الصين من المنافسة المفرطة؟
تنزعج الحكومات عادة من احتكار شركة ما لسلعة أو خدمة معينة والتحكم في أسعارها وتركز على التشجيع على المنافسة بدلاً من ذلك، لكن في الصين الأمر مختلف تمامًا وتسعى الحكومة حاليًا لمواجهة ما يسمى بالمنافسة المفرطة المدمرة التي تضر بالشركات المحلية وتعزز الضغوط الانكماشية التي تثقل كاهل الاقتصاد.
النموذج الصيني
عندما تظهر تقنية جديدة مثل الذكاء الاصطناعي أو منتج واعد كالسيارات الكهربائية يجذب القطاع الناشىء عشرات أو مئات الشركات التي تكثف إنتاجها وتخفض التكاليف، وبمرور الوقت تصبح المنافسة شرسة وتعاني الشركات من هوامش أرباح ضئيلة للغاية أو خسائر من أجل الاستمرار في المجال.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
تعزيز المنافسة
إلى جانب أن لكل حكومة من الحكومات المحلية في البلاد هدف خاص بالنمو الاقتصادي وفرص العمل، لذلك تقدم كل منها الدعم سواء من خلال الإعانات أو الإعفاءات الضريبية مما شجع الاستثمار المفرط، لكن انتقدت قيادة البلاد ذلك لأنه أدى لتأجيج فائض الإنتاج الذي ترى أنه السبب في انكماش الأسعار.
وضع استثنائي
أدت تلك المنافسة الشرسة إلى خلق وضع غير معتاد تهيمن فيه الشركات الصينية مجتمعة على حصة سوقية في قطاع ما بينما تكافح كل شركة على حدى من أجل تحقيق ربحية معقولة أو مستقرة، مما يشكل تحديًا أمام صانعي السياسات الذين اعتادوا الاعتماد على التصنيع والصادرات لدفع النمو الاقتصادي.
انزعاج شديد
أبدى الرئيس “شي جين بينغ” في اجتماع عقد هذا الشهر انزعاجه الشديد من الأمر وتعهد باتخاذ خطوات للقضاء على انخفاض الأسعار والمنافسة غير المنظمة، وحذر من الإفراط في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، مما يبرز القلق من تركز الاستثمارات في عدد قليل من الصناعات وهو ما يفاقم فائض الطاقة الانتاجية.
تدابير
تعهدت الدولة بتشديد اللوائح على الشركات التي تخفض أسعارها بصورة حادة، إلى جانب كبح الدعم والحوافز من الحكومات المحلية، لكن الأمر ليس سهلاً، خاصة وأن الصناعات التي تشهد أشد حروب الأسعار مثل الألواح الشمسية والبطاريات والسيارات تهيمن عليها الشركات الخاصة.
حروب الأسعار
منذ الجائحة وفي ظل ركود سوق الإسكان أصبح المستهلكون في الصين أكثر حساسية تجاه الأسعار وقلصوا الإنفاق غير الضروري، لذلك طرحت شركات صناعة السيارات خصومات كبيرة وخفضت أسعارها مما عمق حروب الأسعار خاصة في صناعة السيارات الكهربائية.
نماذج من حروب الأسعار
|
|
القطاع
|
التوضيح
|
السيارات الكهربائية
|
خفضت “بي واي دي” وغيرها من الشركات المحلية أسعار مركباتها مما عزز حرب الأسعار الشرسة في القطاع وشكل حالة من المنافسة غير المنطقية، ودفع رابطة مصنعي السيارات الصينية إلى التحذير من مخاطر حروب الأسعار.
ذكر “فيليبي مونوز” محلل السيارات لدى “جاتو” أنه مع تشبع السوق بالعديد من العلامات التجارية والطرازات المشابهة يرى مصنعو السيارات الذين لا يرغبون في خسارة حصتهم السوقية أن السبيل الوحيد للاستمرار على الأقل على المدى القصير هو خفض الأسعار.
|
سوق توصيل الطعام
|
دفعت المنافسة المفرطة في السوق مجموعة “علي بابا” و”جيه دي دوت كوم” إلى تقديم خصومات هائلة لمنافسة “ميتوان في ذلك القطاع.
|
مخاطر حروب الأسعار
لكن لن يكون هناك رابحًا من تلك المنافسة، لأن حروب الأسعار تضر بالأجور وإيرادات الضرائب والاقتصاد ككل، إلى جانب أن التخفيضات الكبيرة في الأسعار تجعل العملاء أكثر ميلاً للانتظار حال انخفاض السعر أكثر، فضلاً عن التأثير العالمي على الشركات المصنعة في القطاعات التي تشهد حروب أسعار.
طاقة إنتاجية فائضة
ذكرت الصحيفة التابعة للحزب الشيوعي الصيني “كيوشي” أن الطاقة الإنتاجية الفائضة تمثل مشكلة، موضحة أن انخفاض الأسعار لا يؤثر فقط على القطاعات التقليدية مثل الصلب والإسمنت، بل على الصناعات الناشئة مثل الألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية والتجارة الإلكترونية.
تحذير وتوقعات
حذرت “كيوشي” من أن التنافس على الأسعار قد يجبر الشركات على خفض تكاليف الإنتاج الأساسية والتنازل عن الجودة مما يضر في النهاية بمصالح المستهلكين، ورجح اقتصاديون أن الصين قد تجبر الشركات على خفض الطاقة الإنتاجية أو إغلاق المصانع القديمة، ويرى محللون لدى “سيتي جروب” أن الحكومة قد تشدد المعايير البيئية أو غيرها لإجبار الشركات الأضعف على الخروج من السوق.
الخلاصة
بعدما سعت الصين إلى نفي المزاعم بأن سياستها الصناعية أغرقت أسواق شركائها بسلع منخفضة التكلفة، تكافح الآن قضية فائض الطاقة الإنتاجية التي تشكل حرب أسعار تضر بنموها الاقتصادي، مما قد يدفعها ربما للتدخل في الصناعات للسيطرة على الأسعار وخفض الطاقة الإنتاجية، في الوقت الذي تسعى فيه للتوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.
المصادر: أرقام – بلومبرج – نيويورك تايمز – فاينانشال تايمز – سي إن بي سي – جلوبال تايمز
للمزيد من المقالات
اضغط هنا
التعليقات