التخطي إلى المحتوى

أحمد بن محمد المليص.. صوت الحكمة ووجه النظام وهدوء الكبار – أخبار السعودية

في قرية الريحان المطلة على ذاكرة الجنوب ومطالع النور، وُلد أحمد بن محمد المليص عام 1353 للهجرة، فتحت له الحياة أبوابها الأولى على يد معلمين من زمن جميل، لم يكتفوا بتعليم الحروف بل صنعوا رجالاً وأجيالاً، وربّوا في نفوسهم الانتماء والانضباط وسمو الخلق. نشأ في كنف والده محمد وعمّه عبدالله، واستقى من جدّيه المقيمين في الباحة مكارم الأخلاق وجدية العمل، فصيغت شخصيته من الصبر والحكمة، وتفتحت مداركه على أن التعليم ليس مهنة بل رسالة ومسار حياة.

وفي بداياته الدراسية كان للشيخ سعد بن عبدالله المليص (رحمه الله) أثر عميق في توجيهه نحو سلك التعليم، إيماناً منه مع رفاقه في تلك الحقبة بأن الباحة تستحق النهوض من أمية كانت سائدة، وأن التعليم هو السبيل إلى ذلك. وقد أسهمت تلك النخبة الواعية -ومن بينهم أحمد المليص- في أن تصبح المنطقة أحد أسرع المناطق في انتشار التعليم، فخرج منها قادة ومسؤولون على مستوى الدولة.

كان أحمد المليص من أوائل من أنهوا المرحلة الابتدائية عام 1373هـ، وواصل مسيرته التعليمية بتفوق، فأكمل المتوسطة والثانوية بنظام الثلاث سنوات، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الإدارة العامة من جامعة الملك عبدالعزيز. لم يكن العلم عنده مجرد شهادة، بل سلوك حياة انعكس في كل موقع تقلده، وكل مهمة أُسندت إليه.

بدأ معلماً في مدرسة بني ظبيان، ثم مديراً لمدارس بطحان والحبشي، قبل أن يُعيّن سكرتيراً لمدير التعليم في بلجرشي الشيخ عبدالمحسن آل الشيخ، فكان موضع ثقته وأساس تنظيم مكتبه. واصل مسيرته في الباحة مشرفاً إدارياً مركزياً، ثم انتقل إلى إدارات التعليم في الطائف وجدة، حيث ظل على النهج ذاته من العطاء والنزاهة حتى تقاعده.

كان رجلاً لا يشبه إلا نفسه، دقيقاً منظماً يقدّس العمل، لا يعرف المراوغة ولا يتحدث إلا بما يعنيه، كريم النفس، واسع الحضور، إذا دخل مجلساً حضر معه البهاء، وإذا أقام مناسبة أو عزومة وقف يخدم ضيوفه بنفسه رافضاً الجلوس، مردداً بابتسامة هادئة: «هل يعقل أن أجلس؟ الكرامة للضيوف وأنا في خدمتهم».

لم يكن أحمد المليص إدارياً فحسب، بل كان صوت عقل ووقار، قريباً من الناس، حكيماً في رأيه، صادقاً في وعده، أنيقاً في حضوره، حتى في صمته كان له أثر.

هو من أولئك الذين لا تُذكر التجربة التعليمية في الجنوب دون ذكرهم، لأنه لم يكن عابراً فيها، بل كان حجر أساس، ورسالة خالدة في ذاكرة التعليم والإنسان.

أخبار ذات صلة

 

للمزيد من المقالات

اضغط هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *