تواصل الحكومة المصرية تحركاتها الحثيثة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين، في إطار خطة استراتيجية تستهدف مضاعفة حجم الاستثمارات الصينية المباشرة إلى 16 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، مقابل نحو 8 مليارات دولار حاليا، في وقت حرج تشهد فيه البلاد ضغوطا مالية متزايدة وتباطؤا في إتمام صفقات كبرى كانت الدولة تعول عليها لسد فجوة العملة الصعبة.
ورغم أن الصفقات الاستراتيجية كانت محورا رئيسيا في سياسة الدولة لجذب النقد الأجنبي، إلا أن العام المالي الماضي لم يشهد أي إنجاز حقيقي في هذا الملف، نتيجة تعقيدات الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية، وتوجه الحكومة نحو الحفاظ على قيمة الأصول العامة ومنع بيعها بأقل من قيمتها العادلة، بحسب ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في تصريحات رسمية.
خطة لاستقطاب 15 مليار دولار استثمارات جديدة

تستهدف الدولة استقطاب استثمارات جديدة بقيمة 15 مليار دولار خلال عام 2025 وحده، وذلك عبر مجموعة من الآليات تشمل تفعيل الدور الخارجي لمكاتب التمثيل التجاري، والترويج لمشروعات استراتيجية في قطاعات البنية التحتية، والصناعة، والطاقة المتجددة، والقطاعات التكنولوجية.
وتشير تقارير رسمية إلى أن هذا الرقم المستهدف يتجاوز 3 أضعاف المتوسط السنوي لحجم الاستثمارات التي تم جذبها خلال السنوات العشر الماضية، مما يعكس تحولا نوعيا في أداء الأجهزة المعنية، ورغبة واضحة في تسريع وتيرة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
تزايد اهتمام المستثمرين الدوليين بمصر
رصدت الجهات الاقتصادية الحكومية مؤشرات متزايدة لاهتمام المستثمرين في آسيا وأوروبا بدخول السوق المصرية، خاصة بعد التطورات الأخيرة في النظام التجاري الدولي، وفرض رسوم جمركية إضافية على صادرات بعض الدول الصناعية إلى الأسواق الكبرى، مما جعل مصر تظهر كوجهة بديلة بفضل موقعها الجغرافي واتفاقياتها التجارية المتنوعة.
وتعتمد الاستراتيجية المصرية الجديدة على إعادة توجيه التدفقات التجارية والاستثمارية، مع استثمار المزايا النسبية للقطاع الصناعي والخدمي المحلي، بما يعزز من قدرة الدولة على جذب استثمارات إنتاجية حقيقية توفر فرص عمل وتدعم الميزان التجاري.

الفجوة التجارية مع الصين تتجاوز 15 مليار دولار
تعكس بيانات التجارة الخارجية فجوة ضخمة في الميزان التجاري بين مصر والصين، حيث تتجاوز قيمة الواردات من الصين 16 مليار دولار سنويا، في حين لا تتعدى الصادرات المصرية إلى السوق الصيني حاجز نصف مليار دولار.
هذا الأمر دفع الدولة إلى تبني سياسة جديدة تستهدف تقليص العجز التجاري ليس عبر زيادة الصادرات فقط، بل من خلال جذب الاستثمارات الصينية المباشرة التي تسهم في توطين الصناعات وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
57 مليار دولار استثمارات أجنبية خلال 10 سنوات
كشفت تقارير صحفية أن مكاتب التمثيل التجاري المصري بالخارج نجحت في جذب استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 57 مليار دولار خلال الفترة من 2014 حتى 2024، من خلال الترويج لفرص ومشروعات نوعية في قطاعات حيوية، وهو ما يعكس تطورا في فاعلية الجهاز الاقتصادي الخارجي للدولة.
وشملت تلك المشروعات مجالات متنوعة من بينها: البنية التحتية، والنقل، والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والصناعات الكيميائية والتقنية، وإعادة تدوير المخلفات، والرعاية الصحية، والطيران، وصناعة السيارات، ما يعزز من تنويع مصادر الاستثمار ويدعم الاقتصاد الإنتاجي طويل الأجل.
مستهدف تصديري بـ70 مليار دولار خلال عامين
وضعت الدولة ضمن أولوياتها رفع قيمة الصادرات غير البترولية إلى 70 مليار دولار بنهاية عام 2026، مقابل 45 مليار دولار متوقعة بنهاية عام 2025، وذلك في ضوء خطة توسعية تستهدف فتح أسواق جديدة ورفع كفاءة القطاعات التصديرية، وتحسين قدرات المنتج المحلي على المنافسة الخارجية.
وتظهر البيانات الصادرة عن الجهات الرقابية أن الصادرات غير البترولية المصرية بلغت 40.8 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ 35.7 مليار دولار في عام 2023، مسجلة نسبة نمو قدرها 14%، رغم التحديات المرتبطة باضطرابات سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن والطاقة عالميا.

الاستثمار المباشر لتعويض غياب الصفقات الكبرى
في ظل صعوبة إتمام صفقات ضخمة خلال المرحلة الراهنة، تعول الحكومة بشكل أكبر على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر باعتباره المسار الأكثر استدامة لتمويل الاحتياجات الدولارية، بعيدا عن الضغوط المرتبطة ببيع الأصول العامة أو الاعتماد المفرط على الديون.
وتحظى الاستثمارات الصينية باهتمام خاص في هذا السياق، نظرا لحجمها الكبير، وامتدادها إلى قطاعات استراتيجية، وارتباطها بعلاقات تجارية قوية تمتد لسنوات طويلة بين القاهرة وبكين.
ورغم وضوح الخطة وتعدد مسارات التنفيذ، لا تزال التحديات قائمة، وعلى رأسها ضرورة ضمان استقرار المناخ التشريعي، وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وتحسين بيئة الأعمال، بما يضمن تحويل الاهتمام الخارجي إلى استثمارات فعلية على أرض الواقع.
وتبقى قدرة الدولة على تنفيذ هذه الأهداف مرهونة بمدى قدرتها على تقديم حوافز حقيقية، وتوفير بنية تحتية داعمة، واستغلال التغيرات العالمية لصالح الاقتصاد المحلي، مع بناء شراكات دولية متوازنة تقوم على المصالح المشتركة والنمو المتبادل.
التعليقات