كيف يمكن لليمن أن يتحوّل إلى شريك إستراتيجي للخليج؟ – أخبار السعودية
تقوم الدبلوماسية في العالم أجمع على مبدأ المصالح المشتركة، وتعتمد السياسة الدولية في حركتها وتحالفاتها على هذا الأساس، لم يعد من الممكن لأي بلد أن يرسم سياسته الخارجية ويقيم العلاقات الدولية على أساس السرديات والقدرة على الإقناع بضرورة الاصطفاف، بل إنها تقوم على خلق هذا الاصطفاف بناءً على إيجاد مصالح مشتركة والبناء عليها.
ومن هذا المدخل يفترض أن يتم النظر إلى العلاقات اليمنية الخليجية، فبجانب وحدة الجغرافيا واللغة والعروبة، وهي نقاط رئيسية ومبدئية بلا شك في العلاقات، إلا أن الجانب الأهم هو وجود مصالح مشتركة؛ وتمثل الشراكة مع الخليج بالنسبة لليمن أحد أهم نقاط عقيدته الدبلوماسية، إلا أن المعضلة تكمن دائماً في من يأتي أولاً، فاليمن يريد دعم الخليج له ليستعيد عافيته واستقراره، والخليج يريد يمناً متعافياً مستقراً ليستطيع تقديم الدعم له والشراكة معه.
إن العلاقات اليمنية مع دول الخليج علاقات تاريخية وفي غاية الأهمية للطرفين، والتأثير والتأثر في أقصى درجاته في هذه العلاقات، وكانت دول الخليج دائماً بجانب اليمن سياسياً واقتصادياً بوقوفها مع الشرعية اليمنية وتقديم العون الاقتصادي والمالي بصورة كبيرة، وتظهر المبادرة الخليجية كأحد أهم تجليات هذا الاهتمام المشترك، كما أن اليمن لعب دوراً كبيراً في المسيرة التنموية في الخليج عبر اليمنيين العاملين فيه على مختلف المستويات.
هنا تأتي دبلوماسية العمل على المصالح المشتركة وخلق مصالح أكبر واستخدامها بالصورة المثلى للوصول إلى شراكة إستراتيجية مع الخليج يستفيد منها الطرفان، وهناك عدد من هذه المصالح التي سيكون من المهم تأملها والعمل على تطويرها:
المصالح الأمنية: وهو حجر الزاوية في تحوّل اليمن إلى شريك إستراتيجي للخليج، فمع كل هذه التحديات الأمنية الهائلة في المنطقة والتي وللأسف ينطلق بعضها من المناطق المحتلة من قبل مليشيات الحوثي في اليمن، فإن التعاون الأمني هو البوابة الرئيسية والأهم للشراكة الإستراتيجية مع الخليج، حيث يشكّل الأمن الهاجس الأول لدول العالم وخاصة لدول المنطقة، وفي ظل وجود كتلة بشرية كبيرة في اليمن يعيشون تحديات أمنية كبيرة، وهي تحديات ليست فقط لليمن بل ولدول الخليج، فإن المنطق يفرض التركيز على هذا المحور في المصالح المشتركة، إن تطوير وتحسين قنوات التعاون الأمني مع الأشقاء في الخليج هو أحد مداخل تحسين الأمن في اليمن وكذا أحد أهم محاور تمتين الشراكة اليمنية الخليجية.
المصالح السياسية: يجب أن يستمر ويتطوّر اتساق المواقف اليمنية الخليجية في ما يخص القضايا الإقليمية والدولية والتي هي أيضاً متسقة بشكل كامل مع المواقف العربية، ويجب أن يستمر الطرفان في التنسيق السياسي بصورة أكبر خاصة في المواقف تجاه الملفات الدولية ذات الاهتمام المشترك، ولعل إحدى الصور البالغة السوء للانقلاب الحوثي هو ما يمثله من انفصال كامل عن المواقف الخليجية والعربية بكل ما تعنيه لليمنيين من عمق إستراتيجي، وما يمثله الانقلاب الحوثي من تهديد بتحويل اليمن الى خصم لدول شقيقة وجارة تدعم اليمن على أرض الواقع وتجاوره جغرافياً وتواجه معه مصيراً مشتركاً.
المصالح الاقتصادية: في العادة تنسج العلاقات الدولية وتتطور عبر هذا المحور، لكن لظروف اليمن التي أضعفها وأضعف اقتصاها تماماً انقلاب الحوثي، فإن التعاون في هذا المجال يواجه تحديات حقيقية، إلا أن اليمن بدون شك عمق اقتصادي حقيقي للخليج، ورافد رئيسي للأيدي العاملة المدربة والمؤهلة، ويمثّل الخليج داعماً رئيسياً للاقتصاد اليمني، ويجب البحث في ديمومة وتطوير هذه العلاقات الاقتصادية بصورة تنعكس على مجمل العلاقات.
الحوار: وهو الأمر الرئيسي الذي يجب أن تبدأ به كل المصالح المشتركة السابقة، فبالحوار المستمر والمنظم والصريح وعلى مختلف المستويات الرسمية وغير الرسمية يكون تمتين المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وفي ظل ظروف اليمن الراهنة يجب أن يكون هناك اهتمام حقيقي بهذا الحوار وتطوير العلاقات، عبر جهد رسمي منظم، ليس فقط عبر اللجان الحكومية المشتركة، على أهميتها، ولكن أيضاً عبر حوار النخب السياسية ورجال الأعمال والمثقفين، هذا الحوار يبدّد ضبابية الرؤية وينظم العلاقات وينقلها إلى بعد الشراكة الحقيقية ويضمن مناقشة العثرات والأخطاء وتحسين الإيجابيات والإنجازات في العلاقات.
إن وحدة المصير تفرض على اليمن وعلى دول الخليج وشعوب المنطقة تمتين علاقاتهم، والأهم أن التطورات في المنطقة والعالم تجعل من التحول إلى الشراكة الإستراتيجية بين اليمن والخليج أمراً ملحاً وعاجلاً للطرفين، فالمصير الذي سنواجهه جميعاً واحد، والمخاطر والمنافع أيضاً واحدة، وهو ما يتطلب التحرك من كافة الأطراف لخلق المصالح للوصول إلى الشراكة الإستراتيجية.
أخبار ذات صلة
للمزيد من المقالات
اضغط هنا
التعليقات