شهد الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من عام 2025 تراجعا ملحوظا في معدلات التضخم، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن انخفاض التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 14.9% في يونيو 2025، مقارنة بـ 16.8% في مايو من العام ذاته.
هذا الانخفاض، الذي جاء مدعوما بتراجع أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية مثل اللحوم والخضروات، أثار تساؤلات حول تأثيره على الأسعار وما إذا كان يمثل بداية لانخفاض أسعار السلع أنه لا يعني بالضرورة تراجع الأسعار مع تراجع التضخم.
تأثير تراجع التضخم على انخفاض أسعار السلع
يشير الخبراء إلى أن تراجع التضخم مؤشرا إيجابيا للغاية، ولكن لا يعني بالضرورة انخفاضا فوريا في أسعار السلع والخدمات، بل يعكس تباطؤ وتيرة زيادة أسعار السلع الأساسية في السوق المصري.
وهذا ما أكده الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، قائلا: “التراجع الملحوظ في معدلات التضخم بمصر خلال الفترة الأخيرة تحول إيجابي يفوق التوقعات”، معتبرا أنه نتاج مباشر لتحركات اقتصادية محسوبة بعناية من جانب الدولة، تستهدف إعادة هيكلة السوق والسيطرة على معدلات الأسعار دون الإخلال بالتوازن النقدي أو الإنتاجي.
وأضاف “خطاب”، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن الحكومة استطاعت إدارة ملف التضخم بنهج متكامل، يرتكز على أدوات السياسة النقدية من جانب، والسياسة الاقتصادية من جانب آخر، مشيرا إلى أن قرار رفع سعر الفائدة لعب دورا حاسما في امتصاص السيولة الزائدة داخل السوق، وهو ما قلص من حجم الضغوط التضخمية.

نمو الصادرات المصرية
وأشار إلى أن هذا التوجه تزامن مع حوافز قوية ودعم مباشر لقطاع الصادرات، ما أسفر عن تحسن ملحوظ في أداء الميزان التجاري، وانعكس على نمو الصادرات المصرية بوتيرة متسارعة، الأمر الذي عزز من قدرة الدولة على توفير النقد الأجنبي، وساهم في استقرار سوق الصرف، وبالتالي تهدئة التكاليف المرتبطة بالاستيراد.
وأكد الخبير الاقتصادي، أن هذه السياسات مجتمعة أسهمت في ضبط الأسعار داخليا، من خلال تقليص القدرة الشرائية الزائدة وتقنين الدورة النقدية، بما يحد من احتمالات نشوء موجات تضخمية مفاجئة أو متصاعدة.

ضرورة تخفيض الفائدة 1% في الاجتماع المقبل
وفيما يخص التوجه المستقبلي للسياسة النقدية، أشار خطاب إلى أن هناك فرصة مواتية أمام البنك المركزي المصري لخفض أسعار الفائدة بنسبة 1% خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية، خاصة في ظل تحسن المؤشرات الاقتصادية وتراجع الضغوط السعرية، مؤكدًا أن استمرار تثبيت الفائدة دون داعي قد يضعف من جاذبية المناخ الاستثماري، ويؤجل تعافي معدلات الاستثمار الحقيقي.
وأضاف: “المرحلة المقبلة يجب أن تكون عنوانها الانفتاح، فمصر باتت مهيأة الآن للدخول في موجة جديدة من جذب رؤوس الأموال الأجنبية، والانخراط النشط في الأسواق العالمية، وهو ما نتوقع بدء انعكاساته بداية من الربع الأخير من 2025 وحتى الربع الأول من 2026، مع تحسن درجة الثقة في الاقتصاد المصري”.
تهدئة النزاعات الدولية السبب الرئيسي في تراجع الأسعار
وأعرب خطاب عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة تهدئة شاملة للنزاعات الإقليمية، وفي مقدمتها التوترات بين إسرائيل وإيران، وكذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لافتا إلى أن الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة يمثل عنصرا حاسما لدعم فرص النمو الاقتصادي في مصر.
واختتم “خطاب” تصريحاته مؤكد على أن انعكاسات انخفاض التضخم واستقرار الأوضاع الكلية ستمتد لتشمل زيادة تدفقات قناة السويس، وتحفيز الحركة السياحية، وتعزيز جاذبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن نمو تحويلات المصريين العاملين بالخارج، ما يسهم في تحصين الاقتصاد الوطني وتوسيع قاعدته الإنتاجية خلال المرحلة المقبلة.

توقعات باستمرار تباطؤ التضخم
يذكر أن البنك المركزي المصري، توقع في وقت سابق من بداية العام أن يستمر التضخم في الانخفاض خلال 2025، ليصل إلى حوالي 13% بنهاية العام، مع توقعات بمزيد من التباطؤ ليتراوح بين 5% و9% بحلول الربع الرابع من 2026.
وتشير تقديرات مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي ووكالة فيتش إلى أن التضخم قد يصل إلى 16% و12.5% على التوالي بنهاية السنة المالية 2024/2025، مدعوما بتأثير سنة الأساس واستقرار أسعار السلع عالميا.
التعليقات