التخطي إلى المحتوى

هل تتحدث بلهجة يفهمها فريقك؟

– في أروقة الشركات اليوم، تدور رحى معركة صامتة لا تتصدر عناوين الأخبار، لكن تداعياتها تهز استقرار المؤسسات وتستنزف أثمن أصولها.

 

– إنها معضلة “هجرة العقول” وتراجع الولاء الوظيفي، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بانخفاض مقلق في مستويات انتماء الموظفين وتفاعلهم.

 

– وعلى الرغم من أن قادة الأعمال يبادرون غالبًا إلى بذل ما يظنونه دعمًا كافيًا، فإن الحقيقة على أرض الواقع قد تكون مغايرة تمامًا؛ حيث تسود حالة من الاغتراب الوظيفي، وتتسع فجوة عميقة بين النوايا الطيبة والاحتياجات الفعلية.

 

– حين يشعر الموظف بالتقدير الحقيقي، وأن مؤسسته هي شبكة أمانه في مواجهة ضغوط العمل، يتحول إلى طاقة إيجابية تدفع الأداء إلى آفاق جديدة. ولكن، ماذا يحدث حين تضل رسائل الدعم طريقها إلى القلوب؟

 

جوهر الأزمة: دعمٌ يُقدَّم… وحاجةٌ لا تُلبَّى

 

 

– يكمن جوهر المشكلة في حقيقة أن الدعم لا يُقاس بوفرته، بل بمدى دقته في ملامسة احتياج المتلقي. ففي كثير من الأحيان، يقدم المديرون الدعم الذي يبرعون في تقديمه، أو الذي أثبت نجاحه معهم شخصيًا، متغافلين عن أن لكل إنسان ولكل موقف بصمة احتياجٍ فريدة.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

– هذا التباين، الذي يُعرف في علم النفس التنظيمي بـ “فجوة الدعم”، لا يترك الموظف غارقًا في وحشة الشعور بالوحدة فحسب، بل يُضعف ثقته بالمنظومة بأكملها.

 

– ولفهم هذه الديناميكية، يمكننا تصور “لغة الدعم” كأنها لغة ذات لهجات متعددة:

 

– اللهجة الوجدانية: وتتجلى في إظهار التعاطف والاهتمام الإنساني الصادق.

 

– اللهجة المعلوماتية: وتقدم الإرشاد والنصح العملي لرسم طريق النجاح.

 

– اللهجة العملية: وهي مساندة ملموسة، كالمشاركة في إنجاز مهمة عاجلة أو تخفيف عبء العمل.

 

– لهجة التقدير: وتركز على التعليقات التي ترسخ شعور الموظف بالكفاءة والقيمة.

 

– تحدث الأزمة عندما يتحدث القائد بلهجة، بينما يكون الموظف في أمس الحاجة إلى سماع لحنٍ مختلف تمامًا.

تشريح سوء الفهم: كيف تتسع فجوات الدعم؟

 

– لنتخيل موظفًا يمر بظرف شخصي عصيب ألقى بظلاله على أدائه؛ فقد يبادر مديره بتقديم دعم “معلوماتي”، شارحًا له سبلًا لرفع كفاءته. أو قد يقدم دعمًا “عمليًا” بنقل بعض مهامه لزميل آخر.

 

– وعلى الرغم من النوايا النبيلة، فقد يكون الموظف في تلك اللحظة محتاجًا لدعم “وجداني”؛ مجرد كلمات تُشعره بأن ألمه مرئي ومفهوم.

 

– أو ربما يحتاج لدعم “تقديري” يعيد إليه الثقة بأنه لا يزال كفؤًا وقادرًا على تجاوز المحنة. في كلتا الحالتين، يسقط سهم الدعم بعيدًا عن مبتغاه، وتبقى الفجوة قائمة.

 

– تتغذى هذه الفجوات على عوامل عدة، أبرزها:

1- الإسقاط الذاتي: ويُقصد به ميل القادة إلى تقديم الدعم الذي يرغبون هم في تلقيه، وكأن لسان حالهم يقول: “هذا ما كنت سأحتاجه لو كنت في موقفه”.

 

2- العقلية الجامدة: في الفرق متعددة الأجيال، قد تسود عقلية “لقد مررت بظروف أصعب وتجاوزتها”، مما يلغي فكرة التوقف للاستماع. إن عبارات مثل “هكذا تسير الأمور دائمًا” تديم حلقة مفرغة من الاحتياجات المكبوتة.

3- الهروب نحو الحلول: غالبًا ما يكون تقديم حل عملي سريع هو الطريق الأسهل، بدلًا من استثمار الوقت الثمين في فهم السياق الوجداني والنفسي للموظف.

 

– والأخطر من ذلك، أن الموظف الذي لا تُلبى احتياجاته قد يعمم تجربته، واصفًا المؤسسة بأكملها بأنها “بيئة غير داعمة”، ليبدأ رحلة الانسحاب النفسي التدريجي.

 

استراتيجيات بناء الجسور

 

 

– إن مواءمة الدعم مع الاحتياجات ليست علمًا صارمًا، بل هي فن يتطلب بصيرة ومرونة. إليك 3 استراتيجيات لبناء جسور حقيقية.

 







 3 استراتيجيات لتواصل بنّاء

1- اكتساب البصيرة القيادية بالتدريب

 

 


– يجب تسليح المديرين ببرامج تدريبية عملية تصقل مهارتهم في إدارة حوارات الدعم، وتساعدهم على تجاوز تفضيلاتهم الشخصية، وتعزز وعيهم الذاتي، وتمنحهم الثقة لطرح الأسئلة الصائبة التي تكشف عن الاحتياجات الحقيقية لموظفيهم.


 

2- القاعدة الثلاثية للتواصل الفعّال (لاحظ، بادر، اسأل)

 

 


– قبل أن تبادر إلى تقديم الدعم الذي تراه مناسبًا، توقف. اتبع هذه القاعدة البسيطة:

 


– لاحظ: انتبه لزميلك أو موظفك وأظهر اهتمامك.

 بادر: اعترف بأنك ترى أنه يمر بوقت عصيب، وعبر عن رغبتك الصادقة في دعمه.

 


– اسأل: اطرح السؤال الجوهري: “كيف يمكنني أن أقدم لك أفضل دعم ممكن في الوقت الحالي؟” إن مجرد الاعتراف بتجربة الشخص ورغبتك في مساعدته بالطريقة التي يرتضيها هو في حد ذاته أقوى أشكال الدعم.


 

3- تحويل جلسات المراجعة إلى منصات للدعم

 

 


تُعقد جلسات المراجعة عادةً لمناقشة النتائج والجوانب التقنية. لمَ لا نخصص جزءًا منها لمناقشة “منظومة الدعم” نفسها؟


 


يمكن للمدير أن يسأل: “هل شعر الجميع بالدعم الكافي خلال هذا المشروع؟ كيف يمكن تحسين ذلك في المرة القادمة؟”


 


إن هذا من شأنه أن يحول الدعم من مفهوم معنوي غامض إلى بند عملي قابل للقياس والتحسين المستمر.


 

 

الدعم ليس رفاهية، بل هو شريان بقاء المؤسسة

 

– إن تقديم دعم حقيقي ومؤثر يتطلب أكثر من النوايا الحسنة؛ إنه يتطلب بصيرة، ومتابعة، وشجاعة للانخراط في حوارات قد تبدو صعبة.

 

– والشاهد هنا أن بناء مناخ تنظيمي صحي يكون فيه الحديث عن احتياجات الدعم أمرًا طبيعيًا ومرحبًا به، هو الاستثمار الأكثر ربحية على الإطلاق.

 

– فالعائد ليس مجرد رفاهية الموظفين، بل هو ترسيخ مؤسسة مرنة وقادرة على استقطاب العقول المبدعة والاحتفاظ بها في عالمٍ لا يتوقف عن التغيير.

 

المصدر: سيكولوجي توداي

للمزيد من المقالات

اضغط هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *