منذ استقلالهما عام 1947م، ساد الصراع، واشتعلت الحروب بينهما. فقد شهدت العلاقات الباكستانية- الهندية عدة حروب، حتى الآن. آخرها الحرب التي اندلعت بينهما يوم 22 أبريل 2025م، على طول الخط الفاصل بينهما في كشمير. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة من أبريل اشتباكات متكررة، وقصفاً متبادلاً، في مناطق كيران، وبونش، وكوبوارا، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وأعاد التذكير بشبح التصعيد العسكري الشامل، الذي قد يتطور لاشتباك نووي، بين هاتين الدولتين النوويتين.
ومن التطورات الإيجابية، توصل الطرفين إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حتى 18 مايو 2025م. ثم اتفق على تمديد وقف إطلاق النار هذا، إلى أجل غير محدد. وتلا التفاهم الميداني بين الهند وباكستان اختبار حاسم لوقف إطلاق النار، الذي لا يزال قائماً دون اتفاق رسمي مؤسسي، ويدار فعلياً بتوازنات ميدانية هشة، واتصالات عسكرية محدودة. وهذا ما يثير تساؤلات حول قابلية هذه التهدئة للاستمرار أو الانهيار.
الواقع الميداني على الأرض يعكس انخفاضاً واضحاً في مستوى الاشتباكات على طول خط المراقبة. إذ لم تسجل منذ 12 مايو 2025 أي خروقات أو تجاوزات كبرى، واقتصرت الحوادث على تحركات محدودة، لم تتحول إلى تصعيد جديد. هذا التطور السار، يمثل مؤشراً إيجابياً، لكنه لا يستند لالتزام سياسي، بل على توازن ردع ميداني، ما يجعله عرضة للانهيار عند أي احتكاك.
****
باكستان والهند، هما أكبر بلدين في جنوب آسيا، وكانا بلداً واحداً. إنهما بلدان، تجمع بينهما التقاليد المشتركة. وهما يتشاركان ويتشابهان تاريخاً، وثقافة، ولغة، وفكراً. ومع ذلك، ظل هذان البلدان عَدوين لدودين، خاضا حروباً كثيرة، ويواجهان احتمال حرب نووية بينهما، لا تبقي ولا تذر.
في شهر أغسطس من عام 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا ولحقتها الهند في اليوم الثاني، بالاستقلال عن بريطانيا. وذلك بعد انسحاب بريطانيا من بلد تعتبره درة تاجها الإمبراطوري. وخلّفت وراءها دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية، ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان الإسلامية.
تم عام 1858 إخضاع الهند للحكم البريطاني. وعام 1920 تم فيه اندلاع حركة استقلال الهند بزعامة مهاتما غاندي. حيث دعا غاندي الهنود من جميع طبقات المجتمع الهندي، إلى الاحتجاج غير العنيف، وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطاني؛ الذي تضمن مقاطعة البضائع البريطانية. واعتقل البريطانيون غاندي بتهمة التحريض، وإثارة الفتنة. وبعد ذلك، أفرج عنه، وسافر في عام 1931 إلى لندن لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة، كممثل وحيد لحزب المؤتمر الوطني الهندي. ولم يدعم كثير من المسلمين والسيخ رؤية غاندي الخاصة بالهند كبلد واحد. فقدم غاندي استقالته من حزب المؤتمر. واعتزل الحياة السياسية، لكنه بقي مواصلاً حملته من أجل الحرية والمساواة الاجتماعية. وتحققت أهداف غاندي، واضطرت بريطانيا لإنهاء وجودها في شبه القارة الهندية.
****
ونشبت خلافات حادة -آنذاك- بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح. كان نهرو زعيم حزب المؤتمر، وكان معارضاً لمبدأ تقسيم البلاد على أسُس دينية. لكن محمد علي جناح زعيم «عصبة مسلمي الهند»؛ الذي أصبح حاكماً عاماً لباكستان، عقب التقسيم، كان مصراً على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم. وبعد أن تأكد جناح بأن حزب المؤتمر يقف ضد المسلمين، قرر أن ينفصل عن حزب المؤتمر، بعد أن كان عضواً فيه، وشكّل «العصبة الإسلامية». ونشبت خلافات حادة ومواجهات بين الحزب والعصبة. فبعثت بريطانيا وفداً لحل الأزمة بينهما، ونقل السلطة إلى إدارة هندية واحدة. ولكن هذه المحاولات فشلت، عقب اندلاع حرب ضروس بين الهندوس والمسلمين، بشأن الاستقلال. وقد أقر البرلمان البريطاني عام 1947م، قانون استقلال الهند، وباكستان، وأمر بترسيم الحدود بينهما. وتم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين. وهكذا، تم تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم.
****
يتركز الخلاف والصراع بين الدولتين على إقليم كشمير. تقع منطقة كشمير، المتنازع عليها، على الحدود المشتركة لأربع دول، هي: الهند، باكستان، الصين، أفغانستان. وتبلغ مساحتها 86023 ميلاً مربعاً. يقسمها خط وقف إطلاق النار، منذ سنة 1949م. وتبلغ مساحة الجزء الهندي 53665 ميلاً مربعاً، ويسمى جامو كشمير. وتبلغ مساحة الجزء التابع لباكستان 32358 ميلاً مربعاً، ويعرف باسم ولاية كشمير الحرة (كشمير أزاد). ويبلغ عدد سكان الولاية 6 ملايين نسمة، تقريباً. يشكل المسلمون منهم 64%، والهندوس 33%، والسيخ 3%.
لقد نشبت حروب عدة بين الباكستان، والهند، على كشمير، وغيرها. فكل من الهند وباكستان تدعي تبعية كشمير، هذا الإقليم الهام، اقتصادياً واستراتيجياً، لها. ولم يُحَلْ هذا الخلاف المستشري منذ عام 1947م، رغم محاولة عدة دول للتوسط بين الدولتين لحله. وكذلك تدخل الأمم المتحدة، وقرارها بأن يتم إجراء استفتاء بين سكان كشمير، ورفض الهند بإصرار لهذا القرار، لأن تنفيذه سيعني رغبة أغلبية السكان، في الانضمام لباكستان. وما زال العالم يحبس أنفاسه، خشية اندلاع حرب نووية بين الدولتين، نتيجة استمرار هذا الخلاف، لن يقتصر ضررها على شبه القارة الهندية، بل سيصل إلى سماء أوروبا غرباً. والى اليابان شرقاً.
أخبار ذات صلة
التعليقات