التخطي إلى المحتوى

يواجه الطيران المدني العالمي تحديات تشغيلية ومالية متزايدة؛ بسبب الصراعات الدولية وإغلاق المجالات الجوية، وتهديدات الطائرات دون طيار والصواريخ.

هذه العوامل أدّت إلى تحويلات متكررة للمسارات، وزيادة تكاليف الوقود والأطقم، واضطرابات جداول الرحلات، مما يُصعّب القدرة على التنبؤ التي تُعدّ حيوية لقطاع يعتمد على الانضباط والدقة.

إغلاق المجال الجوي حول روسيا وأوكرانيا أدّى سابقاً إلى محدودية خيارات المسارات لشركات الطيران، كما تزايدت حالات التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الأمر الذي يهدّد الملاحة الجوية ويُعقّد السلامة ويضع أطقم الطائرات أمام قرارات صعبة.

تزايد هذه التهديدات يعيد تشكيل مفهوم الطيران الآمن، ويجعل فكرة «السماء المفتوحة» أمراً نظرياً أكثر منه واقعياً، وقد سلّطت الحوادث الأخيرة (مثل حوادث تحطم أو إسقاط طائرات الركاب والشحن في كازاخستان والسودان) الضوء على المخاطر المتزايدة في الأجواء التي باتت امتداداً لنزاعات الأرض.

المنظمات الدولية دعت لتحسين تبادل المعلومات وتعزيز التنسيق بين الدول لتأمين الممرات الجوية، خاصةً تلك التي تمر فوق مناطق التوترات، ووسط هذه الدعوات، جاءت الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران لتزيد الوضع تعقيداً، حيث أدّى التصعيد الأخير إلى إغلاق المجالات الجوية الإيرانية والعراقية والسورية والأردنية والإسرائيلية، ما أربك حركة الملاحة الجوية العالمية من الشرق الآسيوي باتجاه أوروبا وأمريكا الشمالية والعكس، حيث اضطرت العديد من الشركات الأوروبية والآسيوية والأمريكية، والناقلات الخليجية، إلى إعادة تخطيط مساراتها أو إلغاء رحلاتها، ما تسبّب في تأخيرات وخسائر مالية كبيرة.

كالعادة، برزت بفضل الله كفاءة الملاحة الجوية السعودية في إدارة هذا التدفق الجوي غير المعتاد، فاستوعبت الأجواء السعودية حركة كثيفة للطائرات التجارية تتجاوز الـ 300 رحلة في لحظة واحدة، ووفّرت بدائل آمنة للمسارات المغلقة، خاصة للناقلات الخليجية التي تعتمد عليها حركة مطارات الخليج.

أنظمة المراقبة الجوية السعودية أثبتت مجدّداً بمواردها البشرية والتقنية، قدرة فائقة على التكيّف، وعلى تقديم خدمات ملاحية متقدمة في ظرف إقليمي شديد الحساسية، مما يعزّز موقع السعودية كمحور طيران موثوق في المنطقة والعالم.

لطالما اعتمد قطاع الطيران على الاستقرار السياسي، وهذا ينطبق بشكل أوضح الآن، ففي ظل إغلاق الممرات الجوية، والتهديد المتزايد بهجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وأعطال الملاحة دخلنا عصراً تعتمد فيه موثوقية المسارات الجوية بشكل أقل على تقارير الطقس وحسابات الوقود وأكثر على التوجهات السياسية، وهذا بالنسبة لشركات الطيران، يعني ضرورة التكيّف المستمر، وارتفاع التكاليف، ومزيداً من الترقّب، أما بالنسبة للمسافرين فهو يعني احتمال ارتفاع أسعار التذاكر واضطراب في جدول الرحلات.

ليس من الواضح إلى أين تسير الأمور، لكن يبدو أن هذا هو «الوضع الطبيعي الجديد».

السؤال: كيف سيتعلم قطاع الطيران التكيّف مع هذا الواقع المتبدّل دون أن يفقد هويته الأساسية في ضمان السلامة والانضباط والجودة؟

أخبار ذات صلة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *