التخطي إلى المحتوى

بإعلانها إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي اندلعت على نحو مفاجئ فجر الجمعة الماضي، ووصف هذه الاعتداءات بـ«السافرة»، وأنّها «تمثل انتهاكاً ومخالفةً صريحة للقوانين والأعراف الدولية»، داعية المجتمع الدولي ومجلس الأمن لتحمّل مسؤوليته لـ«وقف هذا العدوان بشكل فوري»، تكون المملكة العربية السعودية قد حدّدت المسار الأوفق والأمثل لإمكانية إنهاء هذه الأزمة قبل أن تستفحل وتتمدد، وتغري بعض الأطراف الإقليمية والعالمية بالتدخّل، وفق أجنداتها، وتبعاً لمجريات الأحداث..

وقرنت المملكة موقفها المبدئي هذا بتحركات إقليمية وعالمية واسعة، للتشاور والتباحث مع قادة العالم ومسؤولي الخارجيات فيها لمحاولة بلورة موقف ضاغط يحمل الطرفين على وقف الحرب، والذهاب باتّجاه حلٍّ دبلوماسي يضمن سلامة وأمن المنطقة بشكل عام.. الأمر الذي لا يمكن ضمان نتائجه الإيجابية بغير إرادة دولية نافذة، وخلوص من كافة الأجندات والتحيزات المسبقة، والنّظر إلى الآثار الكارثية التي يمكن أن تسفر عنها هذه الحرب حال استمرارها وتوسع مداها.

إن المنطق العقلاني يفرض علينا تقليب كافة الخيارات الممكنة، والنّظر في المآلات التي يمكن أن تسفر عنها هذه الحرب، وفق المعطيات المنظورة والمشاهدات الماثلة.. فالراجح أن فرص التصعيد العسكري هي الأكثر حضوراً في المشهد، استناداً إلى الهجمات الإسرائيلية المتواصلة وردة الفعل الإيرانية التي تغذيها مشاعر غبن مصدره أولاً الشعور بالخديعة؛ إذ لم يكن من المحتمل- تحت أي ظرف من الظروف- الذهاب إلى خطوة التصعيد العسكري قبل الوقوف على نتائج الجولة الثانية من مباحثات العاصمة العمانية مسقط مع الجانب الأمريكي، التي كان من المقرر أن تنعقد أمس الأحد، ومن الطّبيعي أنها لم تنعقد بعد الذي جرى، فاستباق إسرائيل بالضربة العسكرية لم يكن في الحسبان على الإطلاق.

أما دافع الغبن الآخر، الذي يبدو الأكثر فداحة والأعمق جرحاً فيتمثل في الضربة القاصمة التي طالت المنشآت النووية، واستهداف العلماء القائمين عليها، فضلاً عن مجموعة من قيادات الحرس الثوري، والأمني، بصورة خلّفت وراءها علامات استفهام عريضة، وتساؤلات حرجة، وسيناريوهات مضطربة تحاول فكّ رموز وطلاسم هذا الانحلال الأمني المريب، الذي سمح بضربة موجعة بهذا الحجم، لنظام، عُرف لعهد غير قصير، بقبضته وسطوته الأمنية الحاسمة.. ولعل أقرب هذه السيناريوهات المفسّرة لما حدث يرتبط بخبر حصول إيران على وثائق سرية في صورة ملفات حساسة بصيغة (PDF) وصفتها بـ«الكنز الإستراتيجي»، وطيّها آلاف الوثائق والمعلومات السرية، يتعلق معظمها بالبرنامج النووي الإسرائيلي، ولم يكن ذلك إلا فخّاً إلكترونيّاً أعدّ بحرفية عالية، ومكّن إسرائيل من تحديد أهدافها بشكل دقيق وحاسم، وفي زمن قياسي ومفاجئ.. وهي فرضية أرجّحها، وإن كنت لا أستبعد ما يثار من وجود اختراق أمني من قبل جواسيس في طهران يعملون لصالح تل أبيب.

لكن مهما كانت حرفية هؤلاء الجواسيس، فليس من المرجح أن يوفّروا معلومات بكلّ هذه الدقة، ويمكّنوا إسرائيل من استهداف المشروع النووي والعسكري الإيراني بهذه الدقة المتناهية، فالراجح أن الأمر ينطوي على استخدام عالٍ للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي خُدعت بواسطته إيران..

وعلى أي وجهٍ صحّت الرواية؛ فالخديعة طالت إيران؛ والراجح أنّها الآن في حالة متأرجحة بين الصدمة وحتمية الانتقام الفوري، بما يزيل عنها آلام الضربة الموجعة، وحرج انكشاف غطائها الأمني، وغفلتها الاستخباراتية، والمحصلة ما نشهده من تراشق جوي بالصواريخ على اختلاف مسمياتها وأهدافها وآمادها.

وخطورة هذا الاستهداف الصاروخي أنه في بعض حالاته قد يخرج عن أهدافه العسكرية ليطال المدنية، بما يعني بداهة إعطاء المسوغ لرد مماثل من قبل إسرائيل، وهو ما سيخرج الحرب من أهدافها المركزية، ويذهب بها نحو حرب مفتوحة لا تبقي ولا تذر.

وهنا يمكن خطر خروجها إلى المحيط الإقليمي، الذي سيفضي بلا شك – متى ما تطاول أمد الصراع – إلى حرب عالمية، لا قدر الله.

إن الاستجابة الدولية السريعة لصوت العقل المنطلق من المملكة العربية السعودية، والمساند من كل محبي السلام والأمن، لا شك سيدفع باتجاه الوصول إلى حل يطفئ نار هذه الحرب الكارثية.

وكيفما آلت إليه هذه التحركات وانتهى بها المطاف؛ فالمؤكد أن تغييراً دراماتيكياً سيطال منطقة الشرق الأوسط، بما يتطلّب وعياً جديداً، وقراءة بصيرة للمشهد، تستصحب تقديراً سليماً للمعطيات المتاحة لكلّ دولة، وتوظيف ما تملك لخدمة مصالح الشعوب ورفاهيتها، بعيداً عن تيارات التجاذب الآيديولوجي والشعارات الديماجوجية العصابية، ومحاربة طواحين الهواء.

أخبار ذات صلة

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *