– تظل مقولة المفكر الإداري الشهير بيتر دراكر، التي صاغها قبل عقود وما زالت تتردد بقوة في أروقة عالم الأعمال حتى يومنا هذا، حقيقة راسخة: “الثقافة المؤسسية تطغى على الاستراتيجية“.
– تكتسب هذه المقولة العميقة أهمية قصوى في عصر الذكاء الاصطناعي؛ فليس هناك طائل يُرجى من أفضل الاستراتيجيات التقنية ما لم تتناغم وتتكامل مع ثقافة مؤسسية تتمتع بالمرونة والانفتاح، وتتحلى بالقدرة على التكيف الرشيق مع التحولات المتسارعة.
– وفي خضم التسابق المحموم بين الشركات نحو تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتوطين تقنياته، تجابه العديد منها عقبات ليست ذات طبيعة تقنية، بل هي تحديات تكمن في مقاومة داخلية للتغيير، أو في أنظمة حوافز قد تعيق مسيرة الابتكار، أو حتى في تراجع الثقة بمخرجات الذكاء الاصطناعي وقدراته.
– فالمعضلة الحقيقية لا تكمن في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في البيئة الحاضنة التي تُغرس فيها بذورها. ومن هنا، تتجلى الحاجة الملحة إلى بناء ثقافة مؤسسية صلبة، قادرة على احتواء الذكاء الاصطناعي واستثمار طاقاته كقوة دفع محورية نحو النمو والريادة.
-ونسلط الضوء هنا على منهجية متكاملة لتأسيس ثقافة مؤسسية مزدهرة، ومهيأة لمواكبة مقتضيات عصر الذكاء الاصطناعي.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
7 خطوات عملية لتأسيس ثقافة مواكبة للذكاء الاصطناعي
|
||
1- وضع تصور واضح لنموذج التشغيل القائم على الذكاء الاصطناعي
|
|
– لكي يتحول الذكاء الاصطناعي إلى قيمة مضافة حقيقية، لا بد من رسم صورة واضحة لدوره داخل المؤسسة.
– هل الهدف هو أتمتة المهام الروتينية؟ أم تحسين تجربة العملاء؟ أم دعم اتخاذ القرار؟
– يضمن تحديد هذا الهدف منذ البداية توظيف الذكاء الاصطناعي في المساحات التي تحقق أعلى عائد على الاستثمار، بدلاً من تركه ليصبح مجرد أداة باهظة وغير مستغلة.
|
2- إرساء توقعات واقعية حول دور الذكاء الاصطناعي
|
|
– غالباً ما تؤدي النظرة الغامضة للذكاء الاصطناعي إلى خلق شكوك ومقاومة داخل المؤسسة.
– لذا، من الضروري توضيح ما يمثله الذكاء الاصطناعي: هل هو مساعد ذكي؟ أم أداة لتعزيز الكفاءة؟ أم مستشار رقمي؟
– يساعد هذا التوضيح الموظفين على تقبّله كأداة تمكين، لا كمصدر تهديد.
|
3- تعزيز ثقافة تعاونية تشمل الجميع
|
|
– ينبغي إخراج الذكاء الاصطناعي من دائرة النخبة التكنولوجية، ليصبح جزءاً من العمل اليومي لكل موظف.
– فنجاح الذكاء الاصطناعي لا يتوقف على المهندسين فحسب، بل يتطلب إدماج جميع الفرق، من التسويق إلى الموارد البشرية.
– وهنا تبرز أهمية خلق بيئة تشجع على التجريب، وتكافئ التعاون، وتكسر الحواجز التنظيمية التقليدية.
|
4- اعتبار أدوات الذكاء الاصطناعي بمثابة “متدربين دائمين”
|
|
– تخيل أن كل موظف لديه متدرب شخصي يتمتع بذاكرة خارقة، ومعرفة موسوعية، ويتعلم باستمرار.
– هذا هو الدور المثالي لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل روبوتات المحادثة الداخلية.
– إذ يتيح تكليف هؤلاء “المتدربين” بالمهام المتكررة للموظفين فرصة التركيز على الأعمال الأكثر تعقيداً وإبداعاً.
|
5- الاستثمار في التعليم والتدريب المستمر
|
|
– ليس المطلوب أن يتحول جميع الموظفين إلى خبراء تقنيين، لكن من الضروري أن يمتلك كل منهم فهماً أساسياً لكيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على عمله.
– فالممرضة، مثلاً، لا تحتاج إلى معرفة خوارزميات التعلم الآلي، لكنها يجب أن تثق بأدوات التشخيص الذكية التي تستخدمها يومياً وتفهمها.
|
6- القياس المستمر للأثر
|
|
– يجب أن يُقاس توظيف الذكاء الاصطناعي بنتائج ملموسة، لا بشعارات عامة.
– وتشمل أبرز مؤشرات الأداء: معدلات زيادة الإنتاجية، وخفض التكاليف، وتحسين جودة القرارات، وسرعة اعتماد الموظفين، وتعزيز رضا العملاء.
– فمن دون قياس دوري، يصعب تبرير الاستثمارات أو توجيهها بشكل فعال.
|
7- إعطاء الأولوية لإدارة التغيير
|
|
– غالباً ما يفشل تبني الذكاء الاصطناعي ليس بسبب عيوب في التكنولوجيا، بل بسبب مقاومة التغيير.
– إذ أن بيئات العمل التقليدية، والعمليات البيروقراطية، والخوف من المخاطرة، كلها تحديات يجب التعامل معها بوعي.
– لذلك، يتعين على الشركات تقييم مدى استعدادها للتغيير، والعمل على إرساء ثقافة تقبل الابتكار والتجديد.
|
الخلاصة: دمج الذكاء الاصطناعي في نسيج المؤسسة
– لا ينبغي أن يُعامل الذكاء الاصطناعي كمشروع منفصل أو تقنية طارئة، بل يجب أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من عمليات الشركة وثقافتها.
– ولتحقيق تلك الغاية، لا بد من إشراك الموظفين على كافة المستويات، وبناء ثقافة تتقبل الذكاء الاصطناعي، وتوظفه كحليف استراتيجي لا كمنافس.
– في نهاية المطاف، تظل الثقافة المؤسسية هي العنصر الحاسم في تحديد مدى نجاح أي مبادرة للذكاء الاصطناعي؛ فالتكنولوجيا وحدها لا تصنع الفارق، بل البشر الذين يستخدمونها.
المصدر: فوربس
التعليقات